بوح على الورق 
بوح على الورق !
يقول ابن حزم الأندلسي في كتابه ( طوق الحمامة ) : أن الهموم إذا ترادفت في القلب ، ضاق بها ، فإن لم يفش منها بشيء باللسان ولم يسترح إلى الشكوى لم يلبث أن يهلك غما ويموت أسفا.
إذن وطبقا للمقولة السابقة الواحد منا بحاجة إلى لحظات يبوح فيها بمكنون نفسه وما يختلجه من مشاعر وأحاسيس وما يعانيه من هموم وأكدار وما يضايقه من احباطات وإخفاقات في رحلته الحياتية وصراعه من أجل البقاء لحظات الانكسار والانهيار كثيرة في حياتنا لكن لحظات النجاح والتفوق قليلة .
عندما تستشري هذه الحالة لد يتا وتبلغ هذه المعطيات أوجها وتأججها يعترينا دائما شعور ملح وإحساس عارم بالرغبة في التحدث إلى شخص ما هذا الشعور والإحساس يلازمه أيضا سؤال يقفز إلى الواجهة باستمرار كلما ألحت هذه الرغبة ، والسؤال : من هو الشخص الذي نرغب في التحدث إليه ؟!
في اعتقادي حينما نكون سعداء لسنا بحاجة إلى أحد لنتحدث معه ونقول له: أننا سعداء .. لا أدري أهي أنانية منا ألا يشاركنا أحد سعادتنا ؟! أو ربما كان ذلك نابعا من خوفنا ألا يسرق أحد منا لحظات السعادة تلك وربما يكون ذلك أيضا إلى لأننا من فرط نشوة السعادة ننسى من حولنا، لكن في لحظات النقيض للسعادة نبحث عمن يشاركنا هذا الهم الرابض فوق كواهلنا .. ويثور السؤال : لماذا ؟ّ هل لأن عبء السعادة قليل وعبء الهم ثقيل ، لذلك نحن بحاجة لمن يشاركنا حمل الهم لأننا بمفردنا ننوء عن حمله.
وعلى هذا الافتراض، وكما قلنا سابقا من هو الشخص الذي سيشاركنا في حمل عبء الهم ؟ هل يفترض فيه أن يكون قريبا منا قرب علاقة أو قرب مشاعر وأحاسيس، أي يكون أبا وأما أو زوجة أو حبيبة أو صديقا ؟ بالنسبة لي لا بد أن يكون قريبا مني قرب مشاعر وأحاسيس قد تتوفر هذه الصفة في الزوجة أو الحبيبة أو الصديق ، وقد لا تتوفر لكن شرط هذا في كل الأحوال أن يكون السمع والحديث سمع قلب وحديث قلب لا حديث عقل، لكن أن اقتضى الأمر وكانت المسالة عقلانية لابد أن تكون حولها هالة من العاطفة لكي لا يكون الحديث عقلانيا مجردا.
قد يمضي العمر والأجل ولا نجد هذا الشخص، الحاجة والإحساس بالرغبة في الحديث مازالا ملحين ويزدادان تراكما كلما ازدادت الضغوط والهموم والأكدار والإخفاقات والاحباطات والانهزام والانكسار فما الحل ؟
حامل القلم وأسير الكلمة يجد المتنفس في الورقة والقلم.. الورقة هي الوحيدة التي لا تقول لا مهما أطفأت وهج بياضها بمداد القلم .. والقلم لا يتمرد ولا يعلن العصيان .. الورقة والقلم هما الوحيدان اللذان لا يطالبانك بالسكون أو الكف عن البوح .. وهما الوحيدان اللذان يحفظان أسرارك ولا يبوحان بها لأحد إلا برغبتك، إذا كنت تنوي استجداء النصيحة ممن تظنهم لك من الناصحين .
تبدأ بالبوح إلى الورق ويئن القلم بين أصابعك مختنقا مع تصاعد وتيرة البوح وذبذبات المشاعر في علوها وانخفاضها وحينما تستغرق في البوح تصبح كل الأدوات مطيعة لم مسترسلة مع بنات أفكارك لا تعارضك ولا تمانعك وهكذا يحصل التوحد بينكم .
وعلى هذا المنوال تستمر في بوحك للورق ومساعدك القلم حتى تصل إلى درجة الراحة بعد أن أزحت عن كاهلك تلك الهموم والأكدار، قد لا يكون في هذا البوح حل ناجح لها ولكنه مجرد تنفيس .
موضوع: بوح على الورق ! 
الثلاثاء يناير 01, 2008 8:38 am